بسم الله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى محمد ابن عبد الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اخوتى واخواتى فى الله سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته ثم اما بعد:
ان تحرير القلب لا يتم إلا بإعلان " حرب تحرير" حقيقية ضد النفس، والتي يمكن أن تأخذ أحد المسارين:
- سلوك طريق طويلة مليئة بالعقبات، وهي طريق مجاهدة النفس بقطع تعلقاتها بما سوى الله واحدا تلو الآخر، وذلك برفض الاستجابة لمطالبها وعدم الخضوع لأوامرها.
وهذه الطريق طريق شاقة ومضنية ومكلفة لأنها تتطلب استثمار طاقات إنسانية هائلة. كما أنها لا تحرر القلب من كل تعلقاته، إذ تبقى هناك بعض التعلقات الدفينة والدقيقة ببعض القيم المعنوية والنورانية.
- الخضوع لشيخ عارف بالله دال عليه والذي بفضل دعمه الروحي يتمكن المريد السالك من قطع خيوط تعلقاته " بما سوى الله تعالى " في طبقاتها السطحية والعميقة، لأنه يعمل على اجتثاث العمود الذي تقوم عليه وهو النفس.
ففناء النفس يلغي على الفور كل تلك التعلقات، لأن هذه الأخيرة لا تجد مشجبا تستقر عليه (أي مشجب النفس)." فضربة مقص" العارف بالله توفر على المريد مجهود" قرض" حبال تعلقاته" بأسنان" إرادته الواحد تلو الآخر.
إن الأسلوب الثاني يعتبر فعالا وسريعا وحاسما. وتكمن صعوبته في أمرين::
- العثور على العارف بالله الواصل الموصل المأذون في تربية قلوب المريدين، والذي ينعت ب " الكبريت الأحمر" لندرته.
< يصفه الذي تعالى الله ذكر خلال من تسري الأنوار وهذه تعالى. سوى بما وتعلقاته أمراضه القلب يطهر النوراني الحيوي" المضاد " تعتبر التي تتدفق خلالها القناة يشكل هو الاعتقاد هذا أن ذلك الروحية. أستاذيته في وبالتالي ولايته، -
إن السير إلى الله تعالى تحت إشراف الشيخ المربي هو سير داخل النفس الإنسانية لطي مراحلها، واختراق مسافاتها المعنوية، والرجوع إلى مصدرها الأصلي. وهو سير محفوف بالمخاطر بالنسبة لمن يغامر فيه بدون خريطة أو دليل. إذ أن خطر "الانزلاق الروحي" يتهدد السالك في كل لحظة، وعند كل منعرج ومعه اختلال توازنه النفسي والعقلي. ذلك أن الروح التي تدبر هيكله الترابي الجسدي وتحافظ على توازن قواه – في حالة غياب الشيخ المربي والدليل إلى الله وغلبة أنوار الذكر عليها – تنصرف عن هذه المهمة لكي تستغرق في الأنوار الإلهية مما يؤدي إلى اختلال توازن الجسم والعقل (حالة جذب).
إن المهمة الغيبية للشيخ المربي هي تكييف الأنوار مع " الطاقة الاستيعابية " الروحية للمريد مما يجعل هذا الأخير متوازنا عقليا واجتماعيا مع تحقيق سيره الروحي إلى الله تعالى.
ونجد على قمة هرم الولاية في الإسلام يتربع الوارث المحمدي الذي يؤدي التصديق في ولايته والخضوع لإرادته إلى توجيه القلب إلى الله تعالى بسرعة تتناسب مع درجة التصديق في ولايته، وإخلاص المريد في طلبه للحق سبحانه..
فالوارث المحمدي هو "باب الله" يكفي طرقه بإلحاح ليفتح.
يقول ابن عطاء الله في هذا الصدد:
- " سبحان ما من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه".
فهو رجل ورث الأنوار المحمدية، وأصبح قلبه مستهلكا فيها. والأولياء المحمديون يتفاضلون في مقاماتهم بحسب نصيبهم من هذا الإرث المحمدي. فهناك الكامل والأكمل.
إن الوارث المحمدي المستهلَك قلبه في الأنوار يصبح "سلكا إنسانيا" ناقلا لها إلى قلوب مريديه والمعتقدين في ولايته الخاصة.
إن المريد الذي يفني إرادته في إرادة شيخه يكسر إرادة نفسه التي تعتبر رأس هذه النفس. وبقطع رأسها تموت النفس موتا معنويا، وبموتها يحيا القلب.
أما بدون شيخ مربي واصل موصل يكون من يريد أن يخرج عن إرادة نفسه، وبالتالي عن فعله كالغريق الذي يريد أن ينقذ نفسه بنفسه، أو كالذي يريد أن يتقاضىإلى قاض هو خصمه في نفس الوقت، أو كمن يريد أن يوقظ نفسه وهو مستغرق في نوم عميق.
فالنفس لا يمكن أن تصدر حكما إلا لصالحها لتكريس هيمنتها وتعزيز قبضتها. لذلك كان تدخل الشيخ المربي أمرا ضروريا لا مناص منه, فهو طوق النجاة بالنسبة للغريق، والقاضي المحايد العدل بالنسبة للمتخاصم، والمستيقظ الذي يمكنه إيقاظ غيره. وفي غيابه فإن النفس هي التي تتولى تدبير شخصية العبد حيث تحرص على تحصيل حظوظها العاجلة التي تتنافى مع حقوق الربوبية و التي يعتبر الالتزام بها " منفذ ا; للقلب
فالشيخ المربي يلعب دور المرآة الصافية التي يرصد فيها المريد اتجاه تطوره الروحي من خلال نظرته إلى شيخه. فإذا كان للمريد استعداد خاص للولاية والخصوصية فإن نظرة من شيخه تحيي رميم روحه، وتفجر فيه محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم يسافر معها قلبه إلى آفاق جديدة لا محدودة وبالله تعالى الهدايه والتوفيق والله المستعان