إن هذه الآية العظيمة حوت من الأسرار والحكم والأوصاف والنعوت وبيان مقامات الفضل والشرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته الأخيار رضي الله عنهم مالا يحيط به علم ولا يستوفيه قلم .. ولكن كما قال الله .. ( وعلمك مالم تكن تعلم ) ..
طريقة العمل بهذه الآية :-
بعد الاستغفار والصلاة على النبي (236) مرة .. تقرأ الآية -236- مرة في أي وقت ..ومن استمر عليها أغنته عن كثير من الأسرار والأوراد .. فهي عظيمة المنافع كثيرة الفوائد مستجابة استجابة تشرح الصدور وتطمئن القلوب وتبلغ المقصود .. ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (236) ثم يصلي ركعتي الحاجة ويدعو الله .. وخير ما يدعى به في هذا أن يقول " اللهم أحيني على سنته وأمتني على سنته وابعثني يوم القيامة في معيته وارزقني محبته وطاعته واتباعه وشفاعته واسقني شربة من حوضه لا أظمأ بعدها أبدا " ..
وقد اخترت لكم - لمن أراد أن يعرف معانيها - تفسير الشيخ أبو بكر الجزائري ..
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه ومن والاهم باحسان الى يوم الدين.قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح 29 )
شرح الكلمات:
{ محمد رسول الله والذين معه } : أي أصحابه رضوان الله عليهم.
{ أشداء على الكفار } : أي غلاظ لا يرحمونهم.
{ رحماء بينهم } : أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد.
{ تراهم ركعا سجدا } : أي تبصرهم ركعاً سجداً أي راكعين ساجدين.
{ يبتغون فضلا من الله ورضوانا } : أي يطلبون بالركوع والسجود ثوابا من ربهم هو الجنة ورضوانا هو رضاه عز وجل.
{ سيماهم في وجوههم } : أي نور وبياض يعرفون به يوم القيامة انهم سجدوا في الدنيا.
{ ذلك } : أي الوصف المذكور.
{ مثلهم في التوراة } : أي صفتهم في التوراة كتاب موسى عليه السلام.
{ أخرج شطأه } : أي فراخه.
{ فآزره } : أي قواه وأعانه.
{ فاستغلظ فاستوى } : أي غلظ واستوى أي قَوِيَ.
{ على سوقه } : جمع ساق أي على أصوله.
{ ليغيظ بهم الكفار } : هذا تعليل أي قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار.
معنى الآيات:
لما أخبر تعالى انه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله شهادة منه بذلك أخبر أيضا عنه بما يؤكد تلك الشهادة فقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه } من أصحابه { أشداء على الكفار } أي غلاظ قساة عليهم، وذلك لأمرين الأول انهم كفروا بالله وعادوه ولم يؤمنوا به ولم يجيبوه، والله يبغضهم لذلك فهم إذاً غلاظ عليهم لذلك والثاني أن الغلظة والشدة قد تكون سببا في هدايتهم لأنهم يتألمون بها، ويرون خلافها مع المسلمين فيسلمون فيرحمون ويفوزون. وقوله تعالى { رحماء بينهم } أي فيما بينهم يتعاطفون يتراحمون فَتَرَى أحدهم يكره أن يمس جسمه أو ثوبه جسم الكافر أو ثوبه، وتراه مع المسلم إذا رآه صافحه وعانقه ولا طفه وأعانه وأظهر له الحب والود. وقوله تعالى { تراهم } أي تبصرهم أيها المخاطب { ركعاً سجداً } أي راكعين ساجدين في صلواتهم { يبتغون } أي يطلبون بصلاتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم وتعاطفهم مع بعضهم، يطلبون بذلك { فضلا من ربهم ورضوانا } أ يالجنة ورضا الله. وهذا أسمى ما يطلب المؤمن أن يدخله الله الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه. وقوله { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } أي علامات إيمانهم وصفائهم في وجوههم من أثر السجود إذ يبعثون يوم القيامة غُراً محجلين من آثار الوضوء { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } وفي الدنيا عليهم يسما التقوى والصلاح والتواضع واللين والرحمة. وقوله تعالى { ذلك } أي المذكور { مثلهم في التوراة } { ومثلهم في الإِنجيل كزرع أخرج شطأه } أي فراخه { فآزره } أي قواه وأعانه { فاستغلظ } أي غلظ { فاستوى } أي قوي { على سوقه } جمع ساق ما يحمل السنبلة من أصل لها { يعجب الزراع } أي الزارعين له وذلك لحسنه وسلامة ثمرته وقوله تعالى { ليغيظ بهم الكفار } أي قواهم وكثرهم من أجل أن يغيظ بهم الكفار ولذا ورد عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أن من يغيظه أصحاب رسول الله فهو كافر وقوله { وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة } أي لذنوبهم { وأجراً عظيما } هو الجنة.
هذا وعد خاص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم وهناك وعد عام لسائر المؤمنين والمؤمنات وذلك في آيات أخرى مثل آية المائدة
{ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم }
من هداية الآية الكريمة:
1- تقرير نبوة رسول الله وتأكيد رسالته.
2- بيان ما كان عليه رسول الله وأصحابه من الشدة والغلظة على الكفار والعطف والرحمة على أهل الإِيمان وهذا مما يجب الأتساء بهم فيه والاقتداء.
3- بيان فضل الصلاة ذات الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع.
4- صفة أصحاب رسول الله في كل من التوراة والإِنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم.
5- بيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأوا قليلين ثم أخذوا يكثرون حتى كثروا كثرة أغاظت الكفار.
6- بُغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافى مع الإِيمان منافاة كاملة لا سيما خيارهم وكبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة والمبشرين بالجنة العشرة وأصحاب بيعة الرضوان، وأهل بدر قبلهم.
ولذا روي عن مالك رحمه الله تعالى: أن من يغيظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر.
المصدر أيسر التفاسير لأبى بكر الجزائرى